فصل: مَنْ حُدّ فِي حَادِثَةِ الْإِفْكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَقْدُ عَائِشَةَ الْعِقْدَ وَمَا تَلَاهُ مِنْ أُمُورٍ:

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ سَقَطَ عِقْدٌ لِعَائِشَةَ فَاحْتَبَسُوا عَلَى طَلَبِهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التّيَمّمِ. وَذَكَرَ الطّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَلَمّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَخَرَجْتُ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزَاةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتّى حَبَسَ الْتِمَاسُهُ النّاسَ وَلَقِيتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَا شَاءَ اللّهُ وَقَالَ لِي: يَا بُنَيّةُ فِي كُلّ سَفَرٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً وَلَيْسَ مَعَ النّاسِ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللّهُ الرّخْصَةَ فِي التّيَمّمِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ قِصّةَ الْعِقْدِ الّتِي نَزَلَ التّيَمّمُ لِأَجْلِهَا بَعْدَ كَانَتْ قِصّةُ الْإِفْكِ بِسَبَبِ فَقْدِ الْعِقْدِ وَالْتِمَاسِهِ فَالْتَبَسَ عَلَى بَعْضِهِمْ إحْدَى الْقِصّتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى قِصّةِ الْإِفْكِ.

.حَادِثَةُ الْإِفْكِ:

اسْتِشَارَتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي فِرَاقِهَا وَذَلِكَ أَنّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا كَانَتْ قَدْ خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ بِقُرْعَةٍ أَصَابَتْهَا وَكَانَتْ تِلْكَ عَادَتَهُ مَعَ نِسَائِهِ فَلَمّا رَجَعُوا مِنْ الْغَزْوَةِ نَزَلُوا فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ فَخَرَجَتْ عَائِشَةُ لِحَاجَتِهَا ثُمّ رَجَعَتْ فَفَقَدَتْ عِقْدًا لِأُخْتِهَا كَانَتْ أَعَارَتْهَا إيّاهُ فَرَجَعَتْ تَلْتَمِسُهُ فِي الْمَوْضِعِ الّذِي فَقَدَتْهُ فِيهِ فَجَاءَ النّفَرُ الّذِينَ كَانُوا يُرَحّلُونَ هَوْدَجَهَا فَظَنّوهَا فِيهِ فَحَمَلُوا الْهَوْدَجَ وَلَا يُنْكِرُونَ خِفّتَهُ لِأَنّهَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا كَانَتْ فَتِيّةَ السّنّ لَمْ يَغْشَهَا اللّحْمُ الّذِي كَانَ يُثْقِلُهَا وَأَيْضًا فَإِنّ النّفَرَ لَمّا تَسَاعَدُوا عَلَى حَمْلِ الْهَوْدَجِ لَمْ يُنْكِرُوا خِفّتَهُ وَلَوْ كَانَ الّذِي حَمَلَهُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمَا الْحَالُ فَرَجَعَتْ عَائِشَةُ إلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَدْ أَصَابَتْ الْعِقْدَ فَإِذَا لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَقَعَدَتْ فِي الْمَنْزِلِ وَظَنّتْ أَنّهُمْ سَيَفْقِدُونَهَا فَيَرْجِعُونَ فِي طَلَبِهَا وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ يُدَبّرُ الْأَمْرَ فَوْقَ عَرْشِهِ كَمَا يَشَاءُ فَغَلَبَتْهَا عَيْنَاهَا فَنَامَتْ فَلَمْ تَسْتَيْقِظْ إلّا بِقَوْلِ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ زَوْجَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ صَفْوَانُ قَدْ عَرّسَ فِي أُخْرَيَاتِ الْجَيْشِ لِأَنّهُ كَانَ كَثِيرَ النّوْمِ كَمَا جَاءَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ. وَفِي السّنَنِ: رَآهَا عَرَفَهَا وَكَانَ يَرَاهَا قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ فَاسْتَرْجَعَ وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَقَرّبَهَا إلَيْهَا فَرَكِبَتْهَا وَمَا كَلّمَهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً وَلَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ إلّا اسْتِرْجَاعَهُ ثُمّ سَارَ بِهَا يَقُودُهَا حَتّى قَدِمَ بِهَا وَقَدْ نَزَلَ الْجَيْشُ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ النّاسُ تَكَلّمَ كُلّ مِنْهُمْ بِشَاكِلَتِهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ وَوَجَدَ الْخَبِيثُ عَدُوّ اللّهِ ابْنُ أُبَيّ مُتَنَفّسًا فَتَنَفّسَ مِنْ كَرْبِ النّفَاقِ وَالْحَسَدِ الّذِي بَيْنَ ضُلُوعِهِ فَجَعَلَ يَسْتَحْكِي الْإِفْكَ وَيَسْتَوْشِيهِ وَيُشِيعُهُ وَيُذِيعُهُ وَيَجْمَعُهُ وَيُفَرّقُهُ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَقَرّبُونَ بِهِ إلَيْهِ فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَفَاضَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِي الْحَدِيثِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلّمُ ثُمّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي فِرَاقِهَا فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَأْخُذَ غَيْرَهَا تَلْوِيحًا لَا تَصْرِيحًا وَأَشَارَ عَلَيْهِ أُسَامَةُ وَغَيْرُهُ بِإِمْسَاكِهَا وَأَلّا يَلْتَفِتَ إلَى كَلَامِ الْأَعْدَاءِ فِعْلِيّ لَمّا رَأَى أَنّ مَا قِيلَ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَشَارَ بِتَرْكِ الشّكّ وَالرّيبَةِ إلَى الْيَقِينِ لِيَتَخَلّصَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْهَمّ وَالْغَمّ الّذِي لَحِقَهُ مِنْ كَلَامِ النّاسِ فَأَشَارَ بِحَسْمِ الدّاءِ وَأُسَامَةُ لَمّا عَلِمَ حُبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا وَلِأَبِيهَا وَعَلِمَ مِنْ عِفّتِهَا وَبَرَاءَتِهَا وَحَصَانَتِهَا وَدِيَانَتِهَا مَا هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْهُ وَعَرَفَ مِنْ كَرَامَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى رَبّهِ وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ وَدِفَاعِهِ عَنْهُ أَنّهُ لَا يَجْعَلُ رَبّةَ بَيْتِهِ وَحَبِيبَتَهُ مِنْ النّسَاءِ وَبِنْتَ صِدّيقِهِ بِالْمَنْزِلَةِ الّتِي أَنْزَلَهَا بِهِ أَرْبَابُ الْإِفْكِ وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكْرَمُ عَلَى رَبّهِ وَأَعَزّ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَهُ امْرَأَةً بَغِيّا وَعَلِمَ أَنّ الصّدّيقَةَ حَبِيبَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكْرَمُ عَلَى رَبّهَا مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَهَا بِالْفَاحِشَةِ وَهِيَ تَحْتَ رَسُوله وَمَنْ قَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ لِلّهِ وَمَعْرِفَتُهُ لِرَسُولِهِ وَقَدْرِهِ عِنْدَ اللّهِ فِي قَلْبِهِ قَالَ كَمَا قَالَ أَبُو أَيّوبَ وَغَيْرُهُ مِنْ سَادَاتِ الصّحَابَةِ لَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النّورُ 16]. عَمّا لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَ لِرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ وَأَكْرَمِ الْخَلْقِ عَلَيْهِ امْرَأَةً خَبِيثَةً بَغِيّا فَمَنْ ظَنّ بِهِ سُبْحَانَهُ هَذَا الظّنّ فَقَدْ ظَنّ بِهِ ظَنّ السّوْءِ وَعَرَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ أَنّ الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ لَا تَلِيقُ إلّا بِمِثْلِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النّورُ 26] فَقَطَعُوا قَطْعًا لَا يَشُكّونَ فِيهِ أَنّ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَفِرْيَةٌ ظَاهِرَةٌ.

.الْحِكَمُ مِنْ تَوَقّفِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَمْرِهَا:

فَإِنْ قِيلَ فَمَا بَالُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَوَقّفَ فِي أَمْرِهَا وَسَأَلَ عَنْهَا وَبَحَثَ وَاسْتَشَارَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِاَللّهِ وَبِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ وَبِمَا يَلِيقُ بِهِ وَهَلّا قَالَ: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} كَمَا قَالَهُ فُضَلَاءُ الصّحَابَةِ؟

.الِامْتِحَانُ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

فَالْجَوَابُ أَنّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ الّتِي جَعَلَ اللّهُ هَذِهِ الْقِصّةَ سَبَبًا لَهَا وَامْتِحَانًا وَابْتِلَاءً لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِجَمِيعِ الْأُمّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَرْفَعَ بِهَذِهِ الْقِصّةِ أَقْوَامًا وَيَضَعَ بِهَا آخَرِينَ وَيَزِيدُ اللّهُ الّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَإِيمَانًا وَلَا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إلّا خَسَارًا وَاقْتَضَى تَمَامُ الِامْتِحَانِ وَالِابْتِلَاءِ أَنْ حُبِسَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ شَهْرًا فِي شَأْنِهَا لَا يُوحَى إلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِتَتِمّ حِكْمَتُهُ الّتِي قَدّرَهَا وَقَضَاهَا وَتَظْهَرَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَيَزْدَادَ الْمُؤْمِنُونَ الصّادِقُونَ إيمَانًا وَثَبَاتًا عَلَى الْعَدْلِ وَالصّدْقِ وَحُسْنِ الظّنّ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَالصّدّيقِينَ مِنْ عِبَادِهِ وَيَزْدَادَ الْمُنَافِقُونَ إفْكًا وَنِفَاقًا وَيَظْهَرَ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ سَرَائِرُهُمْ وَلِتَتِمّ الْعُبُودِيّةُ الْمُرَادَةُ مِنْ الصّدّيقَةِ وَأَبَوَيْهَا وَتَتِمّ نِعْمَةُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَلِتَشْتَدّ الْفَاقَةُ وَالرّغْبَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَبَوَيْهَا وَالِافْتِقَارُ إلَى اللّهِ وَالذّلّ لَهُ وَحُسْنُ الظّنّ بِهِ وَالرّجَاءُ لَهُ وَلِيَنْقَطِعَ رَجَاؤُهَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ وَتَيْأَسَ مِنْ حُصُولِ النّصْرَةِ وَالْفَرَجِ عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ وَلِهَذَا وَفّتْ هَذَا الْمَقَامَ حَقّهُ لَمّا قَالَ لَهَا أَبَوَاهَا: قُومِي إلَيْهِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ بَرَاءَتَهَا فَقَالَتْ وَاَللّهِ لَا أَقُومُ إلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إلّا اللّهَ هُوَ الّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي.

.حَبْسُ الْوَحْيِ لِتَمْحِيصِ الْقَضِيّةِ وَازْدِيَادِ حَاجَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ:

وَأَيْضًا فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ حَبْسِ الْوَحْيِ شَهْرًا أَنّ الْقَضِيّةَ مُحّصَتْ وَتَمَحّضَتْ وَاسْتَشْرَفَتْ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَ اسْتِشْرَافٍ إلَى مَا يُوحِيهِ اللّهُ إلَى رَسُولِهِ فِيهَا وَتَطَلّعَتْ إلَى ذَلِكَ غَايَةَ التّطَلّعِ فَوَافَى الْوَحْيُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَالصّدّيقُ وَأَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ وُرُودَ الْغَيْثِ عَلَى الْأَرْضِ أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَيْهِ فَوَقَعَ مِنْهُمْ أَعْظَمَ مَوْقِعٍ وَأَلْطَفَهُ وَسُرّوا بِهِ أَتَمّ السّرُورِ وَحَصَلَ لَهُمْ بِهِ غَايَةُ الْهَنَاءِ فَلَوْ أَطْلَعَ اللّهُ رَسُولَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ مِنْ أَوّلِ وَهْلَةٍ وَأَنْزَلَ الْوَحْيَ عَلَى الْفَوْرِ بِذَلِكَ لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكَمُ وَأَضْعَافُهَا بَلْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهَا. إظْهَارُ اللّهِ مَنْزِلَتَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عِنْدَهُ وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَحَبّ أَنْ يُظْهِرَ مَنْزِلَةَ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عِنْدَهُ وَكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ وَأَنْ يُخْرِجَ رَسُولَهُ عَنْ هَذِهِ الْقَضِيّةِ وَيَتَوَلّى هُوَ بِنَفْسِهِ الدّفَاعَ وَالْمُنَافَحَةَ عَنْهُ وَالرّدّ عَلَى أَعْدَائِهِ وَذَمّهِمْ وَعَيْبِهِمْ بِأَمْرٍ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ وَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ الْمُتَوَلّي لِذَلِكَ الثّائِرُ لِرَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.

.ثُبُوتُ بَرَاءَةِ عَائِشَةَ الصّدّيقَةِ:

وَأَيْضًا فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَذَى وَاَلّتِي رُمِيَتْ زَوْجَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَرَاءَتِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنّهِ الظّنّ الْمُقَارِبَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَتِهَا وَلَمْ يَظُنّ بِهَا سُوءًا قَطّ وَحَاشَاهُ وَحَاشَاهَا وَلِذَلِكَ لَمّا اسْتَعْذَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَ مَنْ يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاَللّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلّا مَعِي فَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ الّتِي تَشْهَدُ بِبَرَاءَةِ الصّدّيقَةِ أَكْثَرَ مِمّا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنْ لِكَمَالِ صَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ وَرِفْقِهِ وَحُسْنِ ظَنّهِ بِرَبّهِ وَثِقَتِهِ بِهِ وَفّى مَقَامَ الصّبْرِ وَالثّبَاتِ وَحُسْنِ الظّنّ بِاَللّهِ حَقّهُ حَتّى جَاءَهُ الْوَحْيُ بِمَا أَقَرّ عَيْنَهُ وَسَرّ قَلْبَهُ وَعَظّمَ قَدْرَهُ وَظَهَرَ لِأُمّتِهِ احْتِفَالُ رَبّهِ بِهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِشَأْنِهِ.

.حَدّ الْقَذْفِ وَالسّبَبُ فِي عَدَمِ حَدّ ابْنِ أُبَيّ:

وَلَمّا جَاءَ الْوَحْيُ بِبَرَاءَتِهَا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَنْ صَرّحَ بِالْإِفْكِ فَحُدّوا ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ وَلَمْ يَحُدّ الْخَبِيثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ مَعَ أَنّهُ رَأْسُ أَهْلِ الْإِفْكِ فَقِيلَ وَقِيلَ بَلْ كَانَ يَسْتَوْشِي الْحَدِيثَ وَيَجْمَعُهُ وَيَحْكِيهِ وَيُخْرِجُهُ فِي قَوَالِبِ مَنْ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَقِيلَ الْحَدّ لَا يَثْبُتُ إلّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِبَيّنَةٍ وَهُوَ لَمْ يُقِرّ بِالْقَذْفِ وَلَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَإِنّهُ إنّمَا كَانَ يَذْكُرُهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرُهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ حَدّ الْقَذْفِ حَقّ الْآدَمِيّ لَا يُسْتَوْفَى إلّا بِمُطَالَبَتِهِ وَإِنْ قِيلَ إنّهُ حَقّ لِلّهِ فَلَا بُدّ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ وَعَائِشَةُ لَمْ تُطَالِبْ بِهِ ابْنَ أُبَيّ. وَقِيلَ بَلْ تَرَكَ حَدّهُ لِمَصْلَحَةٍ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ إقَامَتِهِ كَمَا تَرَكَ قَتْلَهُ مَعَ ظُهُورِ نِفَاقِهِ وَتَكَلّمِهِ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ مِرَارًا وَهِيَ تَأْلِيفُ قَوْمِهِ وَعَدَمُ تَنْفِيرِهِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنّهُ كَانَ مُطَاعًا فِيهِمْ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُؤْمَنْ إثَارَةُ الْفِتْنَةِ فِي حَدّهِ وَلَعَلّهُ تُرِكَ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ كُلّهَا.

.مَنْ حُدّ فِي حَادِثَةِ الْإِفْكِ:

فَجُلِدَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الصّادِقِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَتَكْفِيرًا وَتُرِكَ عَبْدُ اللّهِ بْن أُبَيّ إذًا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَاكَ.

.فصل قُوّةُ إيمَانِ عَائِشَةَ:

وَمَنْ تَأَمّلَ قَوْلَ الصّدّيقَةِ وَقَدْ نَزَلَتْ بَرَاءَتُهَا فَقَالَ لَهَا أَبَوَاهَا: قُومِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ وَاَللّهِ لَا أَقُومُ إلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إلّا اللّهَ عَلِمَ مَعْرِفَتَهَا وَقُوّةَ إيمَانِهَا وَتَوْلِيَتَهَا النّعْمَةَ لِرَبّهَا وَإِفْرَادَهُ بِالْحَمْدِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَتَجْرِيدَهَا التّوْحِيدَ وَقُوّةَ جَأْشِهَا وَإِدْلَالَهَا بِبَرَاءَةِ سَاحَتِهَا وَأَنّهَا لَمْ تَفْعَلْ مَا يُوجِبُ قِيَامَهَا فِي مَقَامِ الرّاغِبِ فِي الصّلْحِ الطّالِبِ لَهُ وَثِقَتُهَا بِمَحَبّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا قَالَتْ مَا قَالَتْ إدْلَالًا لِلْحَبِيبِ عَلَى حَبِيبِهِ وَلَا سِيّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الّذِي هُوَ أَحْسَنُ مَقَامَاتِ الْإِدْلَالِ فَوَضَعْتُهُ مَوْضِعَهُ وَلَلّهِ مَا كَانَ أَحَبّهَا إلَيْهِ حِينَ قَالَتْ لَا أَحْمَدُ إلّا اللّهَ فَإِنّهُ هُوَ الّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي وَلَلّهِ ذَلِكَ الثّبَاتُ وَالرّزَانَةُ مِنْهَا وَهُوَ أَحَبّ شَيْءٍ إلَيْهَا وَلَا صَبْرَ لَهَا عَنْهُ وَقَدْ تَنَكّرَ قَلْبُ حَبِيبِهَا لَهَا شَهْرًا ثُمّ صَادَفَتْ الرّضَى بِرِضَاهُ وَقُرْبِهِ مَعَ شِدّةِ مَحَبّتِهَا لَهُ وَهَذَا غَايَةُ الثّبَاتِ وَالْقُوّةِ.

.فَصْلٌ:

الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ أَجَابَ طَلَبَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَذْرِهِ فِي رَجُلٍ بَلَغَهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَكَذَا فِي مَتَى كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ.

.نُزُولُ الْحِجَابِ:

وَفِي هَذِهِ الْقَضِيّةِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَالَ مَنْ يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ قَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَقَالَ أَنَا أُعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ تُوُفّيَ عُقَيْبَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ عُقَيْبَ الْخَنْدَقِ وَذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ عَلَى الصّحِيحِ وَحَدِيثُ الْإِفْكِ لَا شَكّ أَنّهُ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هَذِهِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ وَالْجُمْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ سَنَةَ سِتّ فَاخْتَلَفَتْ طُرُقُ النّاسِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ قَبْلَ الْخَنْدَقِ حَكَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ. قَالَ وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ وَالْخَنْدَقُ بَعْدَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ: اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ وَلَكِنّ النّاسَ عَلَى خِلَافِهِ. وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ مَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ إنّ الْقَضِيّةَ كَانَتْ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ وَآيَةُ الْحِجَابِ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَيْنَبُ إذْ ذَاكَ كَانَتْ تَحْتَهُ فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَأَلَهَا عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَرْبَابُ التّوَارِيخِ أَنّ تَزْوِيجَهُ بِزَيْنَبَ كَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحّ قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَقَالَ مُحَمّد بْنُ إسْحَاقَ إنّ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتّ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ الْإِفْكِ إلّا أَنّهُ قَالَ الزّهْرِيّ عَنْ عبيد الله بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَقَالَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ أَنَا أَعْذِرُك مِنْهُ فَرَدّ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. قَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ الّذِي لَا شَكّ فِيهِ وَذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهْمٌ لِأَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَاتَ إثْرَ فَتْحِ بَنِي قُرَيْظَةَ بِلَا شَكّ وَكَانَتْ فِي آخِرِ ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ السّنَةِ الرّابِعَةِ وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي شَعْبَانَ مِنْ السّنَةِ السّادِسَةِ بَعْدَ سَنَةٍ وَثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِ سَعْدٍ وَكَانَتْ الْمُقَاوَلَةُ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَعْدَ الرّجُوعِ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بِأَزْيَدَ مِنْ خَمْسِينَ لَيْلَةً. قُلْت: الصّحِيحُ أَنّ الْخَنْدَقَ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ كَمَا سَيَأْتِي.

.فَصْلٌ:

وَمِمّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ أَنّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْتُ أُمّ رُومَانَ عَنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ فَحَدّثَتْنِي. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ فَإِنّ أُمّ رُومَانَ مَاتَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَبْرِهَا وَقَالَ مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذِهِ قَالُوا: وَلَوْ كَانَ مَسْرُوقٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي حَيَاتِهَا وَسَأَلَهَا لَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَمِعَ مِنْهُ وَمَسْرُوقٌ إنّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ أُمّ رُومَانَ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا فَأَرْسَلَ الرّوَايَةَ عَنْهَا فَظَنّ بَعْضُ الرّوَاةِ أَنّهُ سَمِعَ مِنْهَا فَحَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى السّمَاعِ قَالُوا: وَلَعَلّ مَسْرُوقًا قَالَ سُئِلَتْ أُمّ رُومَانَ فَتَصَحّفَتْ عَلَى بَعْضِهِمْ سَأَلَتْ لِأَنّ مِنْ النّاسِ مَنْ حَالٍ. وَقَالَ آخَرُونَ كُلّ هَذَا لَا يَرُدّ الرّوَايَةَ الصّحِيحَةَ الّتِي أَدْخَلَهَا البخاري في صَحِيحِهِ وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيّ وَغَيْرُهُ إنّ مَسْرُوقًا سَأَلَهَا وَلَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَاتَ وَلَهُ ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَأُمّ رُومَانَ أَقْدَمُ مَنْ حَدّثَ عَنْهُ قَالُوا: وَأَمّا حَدِيثُ مَوْتِهَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنُزُولِهِ فِي قَبْرِهَا فَحَدِيثٌ لَا يَصِحّ وَفِيهِ عِلّتَانِ تَمْنَعَانِ صِحّتَهُ إحْدَاهُمَا: رِوَايَةُ عَلِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ لَهُ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ وَالثّانِيَةُ أَنّهُ رَوَاهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّد عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْقَاسِمُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَيْفَ يُقَدّمُ هَذَا عَلَى حَدِيثٍ إسْنَادُهُ كَالشّمْسِ يَرْوِيهِ البخاري في صَحِيحِهِ وَيَقُولُ فِيهِ مَسْرُوقٌ: سَأَلْتُ أُمّ رُومَانَ فَحَدّثَتْنِي وَهَذَا يَرُدّ أَنْ يَكُونَ اللّفْظُ سُئِلَتْ. وَقَدْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الصّحَابَةِ: قَدْ قِيلَ إنّ أُمّ رُومَانَ تُوُفّيَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ وَهْمٌ.